"بسم الله الرحمن الرحيم"
كثيراً ما يخطئ الإنسان ويضطر إلى دفع ثمن أخطائه ، وكثيراً ما يكون بحاجةٍ إلى التعبير ، ولكنَّ الصمت يفرض نفسه عليه إنسانا ثقيلا يأبى الرحيل ، ولكن ليس باستطاعةِ أحدٍ منّا إيقاف عجلة الحياة ولا إيقاف الزمن ، ولا حتى التحكم بالقدر.
فتاة ٌ بعمر الورد تدخل الشيطان في حياتها ، فوقعت ضحية طيش الشباب ، بدأت القصة من :
منذ زمن ليس ببعيد كانت تعيش فتاة مع والديها أجمل حياة يتمناها المرء منا ، كانت المحبة والألفة تسود أجواء العائلة ، وكانت الفتاة وحيدة أبويها ، وقد رباها والداها على الأخلاق الحميدة ومكارمها ، كان اسمها (ياسمين) ، وكان لياسمين صديقاتٌ بعدد الياسمين في الأرض ، ولكنها كانت مع كل هذا العدد الكبير تحب واحدة وترتاح لها أكثر من الأخريات ، وقد جمع بينهما الحب في الله .
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
جاء الوقت الذي أجبرت به ياسمين إلى ترك أعز صديقة ، وجاءت ساعة الفراق معلنة النهاية ، وآمرة عقاربها بأن تدور حتى تقف عند الثانية عشرة لتعلن النهاية ، نعم نهاية الصداقة التي عاشت طويلا ً ، فقد قررت ياسمين مع أهلها الانتقال من الحي الذي كانوا يعيشون فيه وأيضا ً انتقال ياسمين إلى مدرسة أخرى .
ولكن الحزن لم يعلن النهاية بعد ، بل بإمكاننا الاعتبار بأنها بدأت من الآن .
بدأ أول يوم في المدرسة الجديدة لياسمين ، كان يوما ً صعبا ً طويلا ً أحسته سنين متتابعة ، شعرت به بشيءٍ من الملل والقلق والأشواق التي تحرق قلبها ، وفجأة وإذ بصوتٍ غليظٍ ليس بلطيفٍ يناديها : ما اسمك ؟ ردت : ياسمين ، وأنت ؟ قالت : أنا سمية .
كانت هذه الفتاة الأكثر شغباً في الصف ، وليس هذا فحسب بل اشتهرت بقلة الأدب ، فأجلست المعلمة ياسمين بجانب هذه الطالبة ، وطلبت منها أن تساعد سمية في دروسها لما عرف عنها من ذكاءٍ وأدبٍ و أخلاق ، علها تفيدها فترتاح المعلمة من ذلك الصوت المزعج الذي يتردّد إلى مسامعها داخل الحصة ، ولكن بدلا ً من أن تؤثر ياسمين في سمية انقلبت الأوضاع وحصلت الكارثة .
تراجعت ياسمين في الدروس ، وليس هذا فحسب بل قلَّ أدبها بشكل ملحوظ ، فقد كان يضرب بها المثل في الأدب و الأخلاق ولكن الآن لا يذكر اسمها إلا حينما تصرخ المعلمة في وجهها قائلة : اصمتي .
كبرت المشكلة أكثر فأكثر حتى أصبحت ياسمين لا تفرق عن سمية بشيء ، هذا وغير عقوق الوالدين ، وتأخير الصلاة ،و إلغائها حتى بدأت تكذب وتختلق الحجج الباطلة لأهلها حين تعود إلى البيت متأخرة ، وتفكيرها كان منحصراً في : ( أأقول صديقتي مريضة فذهبت لزيارتها أم أقول أنني تهت طريق العودة ؟) .
بدأت سمية التي غدت لا تفارق ياسمين توسوس في نفسها قائلة : إنها تريح الأعصاب ، خذي جربي ، فقط نفخةً واحدة صدقيني لن تضر ، إلى أن وصل الأمر بياسمين إلى السم القاتل الذي يدعى "السجائر"، ذلك السّم الذي يفتك بالبشرية ولا يستطيعون إيقافه أو معالجة دائه حتّى .
أخذت ياسمين بالتدخين شيئاً فشيئاً إلى أن أدمنت عليه ، أقنعت أهلها بحجةٍ بالية وهي سأزور صديقتي المريضة ، وذهبت هي والشيطان الذي يوسوس لها (سمية) إلى مكان خالٍ حيث أعطتها هناك كمية من السجائر التي تحتوي المخدرات بادعائها أن هذه السجائر ذات نكهاتٍ ترخي الأعصاب وتهدئها .
وحين لاحظ أهلها تغيرها المفاجئ قرروا استدعاء "سمر" الصديقة المخلصة التي لم تعد ياسمين تذكرها ، وحين أتت بدت ياسمين وكأنها لم تعرفها من قبل ، ركضت سمر لمعانقة ياسمين فأوقفتها قائلة : من أنت ؟ غرقت عيون سمر بالدموع وانسحبت تاركة ً عبراتها المنسكبة على عتبة الباب ، وقلبها الذي لازال يخفق باسم الصداقة التي عاشت طويلا .
ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلا ً ...
سقطت ياسمين ملقاةً على الأرض في ساحة المدرسة ، فتجمع حولها جميع من في المدرسة، صوت ينادي من هنا : ما بها ؟ وصوت من هناك : اتصلوا بالإسعاف.
أُخذت ياسمين إلى المشفى واتصلت المعلمة بأهلها فأتوا بالحال ، الجميع أعصابهم متوترة ينتظرون خروج الطبيب ، وبعد لحظات خرج الطبيب مقطبا ً حاجبيه مربدّاً وجهه، كلهم يصيحون : ما بها؟ قال الطبيب بصوت خافت: للأسف، سرطان الرئة قد نال منها، لا حول ولا قوة إلا بالله، فتاةٌ بعمر الورد ، كيف وصل بها الأمر إلى السجائر اللعينة؟! وحينما ترددت هذه الكلمات إلى مسامع أمها أغمي عليها .
وبعد سنة لم يتبقَ في ياسمين عضوٌ سالم من كثر الأمراض التي حلت بها.
وذات يوم وهي تبكي بين أسقف غرفتها المهترئة ، أحست بألم شديد يشحذ قلبها خنجراً ، فاستسلمت لموت أراحها من عذاب انتظار الموت لحظة بلحظة ولكن لن يريحها من عذاب الآخرة طبعاً .
نعم ، هذه هي عاقبة من يقع في شراك رفاق السوء ، وهذا هو مصيرهم ، دخنت مرة فمرتان فعشر وهكذا.
ففعلا أصدقاء الدرب صاروا أشواكا في القلب!