قال ابن تيمية: «القوم جهّال بحقيقة المناقب والمثالب والطرق التي يعلم بها ذلك، ولهذا يستشهدون بأبيات أبي نؤاس، وهي لو كانت صدقاً لم تصلح أن تثبت فضائل شخص بشهادة شاعر معروف بالكذب والفجور الزائد الذي لا يخفى على من له أدنى خبرة بأيام الناس، فكيف والكلام الذي ذكره فاسد، فإنه قال:
قلت لا أستطيع مدح إمام *** كان جبريل خادماً لأبيه!
ومن المعلوم أن هذا وصف مشترك بين جميع من كان من ذريّة الرسل... فإن الناس كلّهم من ذريّة نوح ومن ذريّة آدم...»(1).
أقول:
أوّلاً: هل جميع الذين يستند ابن تيمية إلى أقوالهم من شعر وغير شعر في هذا الكتاب وغيره، وكذا غيره من علماء طائفته، عدول مبرّءون من كلّ ذنب وعيب؟! لماذا يتناسى الرجل استشهاده بكلام أبي سفيان الكافر، وبقول حُذَّاق المنافقين؟!
ثانياً: إن الإماميّة لا يثبتون مناقب أئمتهم وفضائلهم بالاستناد إلى شعر هذا وذاك، بل هم في غنىً عن ذلك بالأدلّة القويمة من الكتاب الكريم والسنّة الصحيحة المتفق عليها، وسيأتي قسم منها في كتابنا إن شاء اللّه تعالى.
وثالثاً: إن المعاني التي يتضّمنها هذا الشعر وأمثاله، إنما هي أخبار وآثار واردة، وليست بقضايا قد أنشأها الشاعر من عند نفسه، فالإستشهاد في الحقيقة إنما هو بالحديث الذي تضمّنه الشعر، ولا سيما إذا كان قائله من رواة الحديث أيضاً.
ورابعاً: إن هذا الشعر وغيره ممّا قاله أبو نؤاس في مدح الإمام الرضا عليه السلام، مذكور بترجمة الإمام ولغرض المدح له، من قبل كبار العلماء الأجلاّء المتقدّمين على العلاّمة رحمه اللّه والمعاصرين له والمتأخرين عنه كما سنرى، فلولا صحة الإستشهاد به عندهم، قولاً وقائلاً، لما كان ذلك منهم يقيناً.
وخامساً: إن السبب الحقيقي لكلام الرجل هذا ـ ومع الالتفات إلى الوجوه التي ذكرناها ـ هو: إن أبا نؤاس من الشعراء المحبّين لأهل البيت عليهم السّلام، وأشعاره في الإمام الرضا وآبائه تدلّ على مدح عظيم لهم، وابن تيمية يكره المحبّ لأهل البيت المتجاهر بالمدح لهم... وأمّا ما اشتهر عن أبي نؤاس من المجون والخلاعة، فقد ذكروا أنه في الأغلب مما لا أصل له، على أن ذلك لو كان، فقد كان في أوّل العمر، وقد ثبت عنه التوبة في آخره كما نصّ عليه ابن الجوزي.