ارسطو
أرسطو او أرسطاطاليس (أرسطوطاليس). ولد في عام 384 ق.م. وعاش حتى 322 ق.م. في ستاجرا. وهي مستعمرة يونانية وميناء على ساحل تراقيا. فيلسوف يوناني من كبار مفكري البشرية وكان ابوه نيقوماخوس طبيب بلاط الملك امينتاس المقدوني ومن هنا جاء ارتباط أرسطو الشديد ببلاط مقدونيا، الذي أثر الى حد كبير في حياته ومصيره فكان مربي الإسكندر. لقد دخل أكاديمية أفلاطون للدراسة فيها وبقي فيها عشرين عاما. ولم يتركها الا بعد وفاة أفلاطون. كان من أعظم فلاسفة عصره وأكثرهم علما ومعرفة ويقدر ما اصدر من كتابات بـ 400 مؤلف ما بين كتاب وفصول صغيرة. عرف بالعلمية والواقعية التجربية لذلك هو نقد نظرية المثل لأستاذه أفلاطون وحاول دحضها بمجموعة من النقاط. وقد تناول في كتبه المنطق وماوراء الطبيعة والطبيعة والشعر بما فيها الفن والجمال والأخلاق والحيوان والنبات...
قال أرسطو "الصديق هو أنت، الا انه بالشخص غيرك، وهذا الغير، في النداوة، نديٌّ، وبذلك يفضل عن الصديق الذي هو بالمعرفة صديق.. وانا لست فيلسوفا، لكنني في "صداقة الرجال اقترب من هذا المعنى، فأكتب ليلاً مدفوعا بالرغبة في أن أشرح نفسي، اذا لم أكن قد شرحتها كفاية، وباختصار فإنني انسان عادي، معتد، وفي الاعتداد شيء من النرجسية، فات الأوان لتداركه أو اصلاحه.. أفكر على النحو التالي: هناك فرقة سيمفونية، فيها الكثير من العازفين، ومن فضيلة التواضع، والمكان الصح، ان اكون عازفا كغيري، جالسا كما يجلسون، لكنني، في نرجسيتي البشعة، ارفض ما يقبله الآخرون، مصرا على أن أكون قائد الفرقة السيمفونية أو لا أكون!
إنما كاتب أنا، وقد بدأت الكتابة الفعلية متأخراً، في نحو الأربعين من عمري، وما كانوا ليقبلوا مني أن اقول لهم: "لا تؤاخذوني، فأنا عامل في الأصل" كانوا سيقولون "ابق اذن عاملا!" لذلك كان علي أن أقلع عن الكتابة، أو أملك معلمية الكتابة، وقد ملكتها عنوة، وهكذا ارتفعت، ورفعت معي غيري، ولا أزال، في مزدلف الشوط، سيد المضمار، فارسه، أو يترجل، اي ان يعتزل الكتابة! ولشد ما افكر في الاعتزال، لولا انني، في السبق، لا أزال في طليعة من يشبون بفرسهم متخطيا كل الحواجز، مهما علت، ويكسبون، ويشمخون!
لقد ناضلت بجسدي، والآن اناضل بقلمي، وسبحان الذي تنزلت آيته الكريمة {اقرأ بسم ربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم} وهذا العلم، على بساطة ما أملك منه، بات يرهقني، لشعوري ان علي، لا أكون أديبا فحسب، بل أن آخد بيد الأدباء الناشئين فرض عين لا فرض كفاية، كي تتابع الأجيال في هذا الوطن العربي الحبيب، الذي هو، دون ميل إلى المبالغة، كنز ابداع، كان، وهو كائن، وسيكون أكثر مستقبلاً.
طلبت، في وصيتي، ان تكتب على ضريحي العبارة الآتية: "هنا يرقد انسان أخذ الدنيا غلاباً" لاحظوا النرجسية مرة أخرى، لاحظوا، ارجوكم، كيف أتشوف حياً وميتاً، واحكموا علي بالاعدام مع التنفيذ، لانني مللت احكام الاعدام التي لا تنفذ، وهذا من حقي، انا الذي على مشارف الثمانين، وبي جنف عن فهم فلسفة تقول "بأن البرايا، صُنفت رتبا"!
وهذا الجنف ليس لأجلي، بل لأجل الذين انا من طينتهم، هؤلاء الذين لو نسيت، ولو للحظة، كما يفعل الذين نهبوا فاثروا، الاصل الذي يضعني فعلا بينهم، لما استطعت مواصلة الكتابة، بنفس العزم، ونفس المستوى.
نهاري ليس لي، وكذلك ليلي، حتى صرت صاحب النهارين! هناك ظاهرة ايجابية: العديد من الفتيات والسيدات، يرغبن في الكتابة، دون امتلاك مقوماتها، وعلي أن أتحمل، أن أُسدي النصيحة، بعد قراءة ما يتيسر من كتابات السيدات الفاضلات، ان اغش في اللعب، ان أجامل، ان اطري ما لا يستحق الاطراء، فاذا رفضت، ومن الطبيعي ان ارفض، كان العتب، او ما هو اقسى: الدمع فأتذكر بداياتي، يوم كنت حلاقا في اللاذقية، أخربش بعض خواطري، وليس من يتكرم باعطاء رأي في خربشاتي!.
الأصعب رنين الهاتف المستمر:
ألو: نعم! انا فلان!
- من تُفضّل من الممثلين السوريين؟
- ياسين بقوش!!
ألو:
ـ أنا سيد جميلة القوام، فماذا اصنع، بعد الحمل الأول، للمحافظة على هندسة قوامي؟
- الاجهاض!
- أنت سفاح!
ألو:
- أنا اشاب أرغب في الزواج، دون حب وهيام، فم اتزوج؟
- أم كامل!
الو:
- حنا مينه من يحب؟
- حنا مينه لم يعرف الحب الا في القصص والروايات، والله شاهد على ما اقول!
ألو:
- أنا كاتبة معروفة، أرغب في السفر معك عندما تسافر، فماذا تقول؟
- آسف.. أنا مسافر الى الجحيم.. وانت متيسّرة الى جنة رضوان، باذنه تعالى!
ألو: لماذا لا ترد على رسائلي، وهي (مكتوبة بالابر على آماق البصر؟)
- لأني مشغول بتسليك الحرير!
ألو: هل صحيح انك كنت تحب مارلين مونرو.. ولماذا؟
- لكي يتكرم آل كندي بالقضاء علي كما قضوا عليها، حسبما أشيع!
ألو:
كتبتلك رسالة عاطفية، وانتظرت الجواب فلم يصل حتى الآن..
- ولن يصل ابدا، لأنني لا أحسن قراءة الخط المغاربي، او اللغة السنسكريتية العاطفية.
ألو : هل تسير زوجتك إلى جانبك أم وراءك؟
- تسير امامي، لكنها مقعدة وا أسفاه، لا تخرج من البيت!
ألو: ما عنوان الرواية التي لم تكتبها حتى الآن؟
- عنوانها "رجل خالص الصلاحية" ولكن لماذا اثارة الفضائح؟
ألو: - رواية "الياطر" اشهر رواياتك، لماذا لم تكتب جزءها الثاني رغم الحاح القراء؟
- لان وزارة الثقافة، التي كنت أعمل فيها، دجّنتني!
انني أسأل اصدقائي من الكتاب، ومن المثقفين بعامة، هل يحدث معكم ما يحدث معي؟ وكيف السبيل للخلاص من هذا الذي يحدث؟ لقد تجنبت ذكر الوقاحات، وآهات العواطف الكاذبة، وأغضيت عما هو خارج عن المألوف، رغم انني من دعاة الخروج عليه، في كل حالاته.. فإن نكون فنانين صادقين، على اتساق ومجرى التقدم التاريخي، علينا أن نخرق هذا المألوف الذي كان أحد أسباب تخلفنا!
كتب الناقد جورج طرابيشي قائلاً: حنا اجترأ على المسكوت عنه كما لم يسبق ان قرأنا.. انه يعبد الرجولة، وعن هذا وضعت كتابي "الرجولة وايديولوجية الرجولة" عنده.
كتب ايضا، الناقد المصري، بعيد النظر، فاروق عبدالقادر: "حنا مينه يعهّر المرأة في المرافئ"! فماذا يريد هذا الناقد الفاضل، ان ابني له في كل مرفأ كنيسة وديرا للراهبات؟ البحار يعيش قانون البحر، وبعد شهور من الإبحار، وعندما يصل إلى أحد المرافئ، يسأل، أول ما يسأل، عن مقصف وامرأة، لا عن كنيسة أو راهبة، رددت عليه بقسوة فاغتاظ بعض قرائي المصريين!
سيدة كاتبة، جيدة اللغة، باهرة اللفتة، جميلة القص، مليحة الوجه، جاءتني من بعيد، طالبة رأيي في قصصها، فلم ابخل به، لكنها خرجت، كما هتفت الي، باكية، وبعثت إلى من برسالة تقول بالحرف: "بكيت طويلاً في المرة السابقة، حين ضقت بي ذرعاً فقلت: "لن نتقابل ثانية" سألتك ببراءة طفلة: لماذا ياأستاذ؟" قلت جازفاً: "ليس لدي وقت!".
ترى، بعد كل الذي فعلت لأجلها، ماذا كان علي ان اقول، كي لا ادعها تبكي!؟
وكيف أُفهم مثيلاتها انني مشغول وتعب؟
كتب الناقد اللبناني محمد دكروب، في مجلة "الطريق" التي يرأس تحريرها "يقترب حنا مينه من حدود الثمانين، يقول لي بصوت يحمل هموم الدنيا في نبرته: "تعبت يامحمد!
اكتفيت! اتوب عن الكتابة.. الكتابة عذاب يومي، صار يحق لي ان ارتاح!" يضيف:
"لم اصدقه! حنا لا يتوب عن الكتابة، وهذا من حسن الحظ" المقالة طويلا طبعا، لكن الناقد، صديقي، لم ينس ان يقول في نهاية المقال: "انتظر منك دراسة "للطريق" تأملوا قولوا لي "أين أذهب؟" كيف أتخلص من الكتّاب، ومن الكاتبات خصوصاَ؟ وكيف افعل لأنجو من الصحفيين!؟ ومن المتعلمين واشباه المتعلمين؟ ومن الاذاعات وغنج المذيعات!؟
في الحديث الشريف: "كن عالماً أو متعلماً ولا تكن الثالثة فتجهل" أي لا تكن معلماً، لأن غيرك أعلم منك، وهذا ما اؤمن به، لذلك ارغب الا عن تعليم ذاتي وكفى!
اربح كثيراً، انفق كثيراً، اطلب أجراً غالياً واحصل عليه، فيقول الحاسدون: "حنا مادي" كيف وأنا اسكن بيتاً بسيطاً، وحياتي بسيطة، ولي 32رواية وبضعة كتب في الدراسات مثل: "في التجربة الروائية - كيف حملت القلم؟ - ناظم حكمت: المرأة، السجن، الحياة، القصة القصيرة والدلالة الفكرية التي هي كتاب "الرياض" الشهري، وقريباً: "الرواية تجربة وفناً!"في كتاب "الرياض" أيضا.
وفي حفلة تكريمي، بتقليدي وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، تحدثت عن القلق الذي قال عنه بودلير "ياللوحش المفترس!" وباركت هذا القلق ثلاثاً، لأنه المحرّض على الحب والابداع، ولم ابارك الطمأنينة لأنها قاتلة الحب والابداع، وقلت هذه العبارة "الى التي كانت، وما كانت، وظلت في المبتغى، حلماً يراود" انا لم اقصد ملكة جمال هنولولو، ولا خطرت ببالي القديسة تريزا، ولا عنيت زوجتي الحبيبة، التي تنام طويلا كي أسهر طويلاً، ولا فكرت بجورجينا رزق، ملكة جمال لبنان، او بفنانة الاغراء ناديا الجندي، او ذات الصون والعفاف عفراء العرب، وانما قلت ما قلته للريح، والريح انثى، الا ان الفضوليين والفضوليات رغبوا، بالحاح، أن يعرفوا لمن كانت هذه العبارة، يتيمة الوالدين، ولا يزالون مستمرين بتحرياتهم مشكورين"!
بدوي الجبل قال:
يامَن سقانا كؤوس الهجر مترعة
بكى بساط الهوى لمّا طويناه!
العبد الفقير لله طوى بساط الهوى، الا ان الناس يقولون: "على من تضحك يا مسيلمة!"
وأنا أردد ما قاله الأخطل الصغير، بشارة الخوري:
أبكي وأضحك لا حزنا ولا فرحا
كعاشق خط سطراً في الهوى ومحا!
تحياتي لقرائي الأعزاء!