اسحق نيوتن
مؤسس العلم الحديث
مضى حتى الآن أكثر من ثلاثة قرون على نشر نيوتن لـ المبادئ الرياضية في فلسفة الطبيعة، الذي مايزال يعد أعظم كتاب في تاريخ العلم أنجزه شخص بمفرده.
ولد اسحق نيوتن في وولز ثورب بإنكلترا ليلة الميلاد من عام 1642، هزيلاً عليل الصحة، ولم تظهر عليه علائم النبوغ المبكر، فقد كان طفلاً عادياً وتلميذاً متوسطاً في المدرسة الثانوية في غرانتام، إلا أنه أظهر موهبة وبراعة ميكانيكية، فصمم وصنع أدوات آلية مثل طائرة ورقية، وساعة مائية وأجزاء دمى وغيرها.. وتحملت قطة العائلة التي يقال أنها اختفت في بالون من الهواء الساخن وزر هذه الموهبة.
دخل نيوتن سنة 1661 كلية ترينيتي في كمبردج التي كانت ماتزال غارقة في تعاليم أرسطو ومذهبه بالرغم من الإسهامات العلمية لـ كوبرنيك وكبلر وغاليليو! وقد اجتذبته أعمال فلاسفة الفيزياء أمثال رينيه ديكارت، كما تأثر بالرياضي إسحاق بارو الذي شجعه على الاهتمام بالرياضيات، ووجهه إلى دراسة البصريات، فعمل خلال سنتيه الأخيرتين في كمبردج على تقوية مهاراته الرياضية، ودراسة أعمال علماء وفلاسفة النهضة، فأهمل دراسته الأكاديمية، وحصل على شهادة البكالوريوس في نيسان عام 1665 دون أن تثير قدراته اهتمام أحد؟ وكان أن ضرب الطاعون لندن عام 1665 فانعزل نيوتن في وولز ثورب مدة سنتين وضع خلالهما أسس إنجازاته العظيمة في علوم الضوء و الميكانيك والحساب التفاضلي، لكنه كان ميالا ً نحو السرية فلم يكن يرى في الشهرة شيئاً محبباً، لذا تأخر في نشر نتائجه، مما سبب خلافاً بينه وبين العالم الألماني غوتغرايد لايبنيز حول قصب السبق في اختراع علم الحساب التفاضلي. بدأ هذا الخلاف عام 1684 حين نشر لايبنيز بحثه حول هذا الموضوع.
كان غاليليو قد اكتشف أن التسارع (الذي هو معدل تغير السرعة مع الزمن) ثابت للجسم المتحرك بتأثير الثقالة، كما بين العلماء إمكانية تمثيل المسائل الديناميكية بشكل هندسي، فمثلاً المنحني البياني الذي يمثل تغير سرعة الجسم مع الزمن، يحدد تحته مساحة يبرهن هندسياً على أنها تساوي المسافة المقطوعة، وكذلك فالسرعة هي ميل المماس لمنحني يبين تغير المسافة مع الزمن، لكن طريقة حساب هذا الميل وتلك المساحة لم يعرفها أحد قبل نيوتن ولايبنيز اللذان توصلا لاكتشافهما بصورة مستقلة، وذلك عبر تقسيم الزمن لفترات صغيرة تقسم المساحة تحت المنحني لعدد كبير من الشرائح الشاقولية، بحيث يقترب الخطأ من الصفر كلما صغرت الفترة، وبالأسلوب نفسه يمكن حساب ميل المنحي.
بعد عودة نيوتن إلى كمبردج عام 1667 انتخب عضواً في كلية ترينيتي، وبعد ذلك بعامين تخلى أستاذه إسحاق بارو عن كرسي الرياضيات موصياً بتسليمه لنيوتن الذي بدأ بإلقاء محاضرات في علم الضوء قبل نشر أي شيء من اكتشافاته! كما تابع تجاربه ليصنع أول مقراب عاكس والذي أثار اهتماماً كبيراً لدى الجمعية الملكية فانتخب عضواً في هيئتها عام 1672، وبعد تقديم نيوتن نشرة علمية في البصريات المجال الذي كان روبرت هوك يعتبر نفسه خبيراً فيه، هاجم هذا الأخير (والذي كان يترأس الجمعية الملكية) بشدة أفكار نيوتن، مما أشعل خلافاً بينهمالم يطغى عليه سوى خلاف نيوتن مع لايبنيز!
في العام 1684 أقنع العالم إدمون هالي نيوتن بنشر نتائجه، فأكمل وبأقل من خمسة عشر شهرا ً الجزء الأساسي من كتابه المبادئ الرياضية في فلسفة الطبيعة والذي نشره عام 1687 وقد صدر بثلاثة أجزاء، واحتوى قوانين الحركة، التي ردها نيوتن إلى ثلاثة قوانين بسيطة أوردها في الجزء الأول من الكتاب وهي:
1. إذا انعدمت محصلة القوى المؤثرة في جسم فإنه يبقى ساكناً أو يتحرك بانتظام وفق خط مستقيم.
2. يتناسب تسارع الجسم المتحرك مع القوة المؤثرة فيه.
3. دائماً، لكل فعل رد فعل يساويه بالقيمة ويعاكسه بالاتجاه.
وقد أوضح نيوتن أن هذه القوانين البسيطة بالإضافة إلى قانون التثاقل (والذي ينص على أن قوى التجاذب بين جسمين تتناسب مع جداء كتلتيهما وعكساً مع مربع البعد بينهما) تشمل قوانين كبلر في حركة الكواكب، وفي الفصل الثالث من الكتاب طبق نظريته في الثقالة على حركة الكواكب حول الشمس، والأقمار حول كواكبها، وحسب كتل الكواكب والشمس بالنسبة لكتلة الأرض، وقدر كتلة الأرض في حدود خطأ من رتبة عشرة بالمئة من القيمة الحقيقة، وبين أن الأرض مسطحة في القطبين، وقدر بدقة معقولة مقدار هذه التسطح، وناقش تغير الثقالة على سطح الأرض، كما حسب عدم الانتظام في حركة القمر نتيجة جذب الشمس له، ودرس مدارات المذنبات التي كانت تعتبر نذراً كونية تعبر عن غضب الآلهة ولا تخضع لقانون معين! فبين كيف أنها تخضع لنفس القانون، كما قدم تفسيراً منطقياً حاسماً للجزر وللمد، فعندما قال نيوتن (إنني الآن أعرض نظام العالم) كان قد فعل ذلك حقاً.
في عام 1696 عين نيوتن قيماً على مؤسسة إصدار النقد الوطنية، فهجر الانعزالية التي قضاها في كمبردج لتتسم حياته بطابع أكثر اجتماعية، وفي العام 1699 رقي إلى منصب رئيس مؤسسة إصدار النقد، وظل يحمل هذا المنصب حتى نهاية حياته. سنة 1703 انتخب نيوتن رئيسا ً للجمعية الملكية في لندن وكذلك أعيد انتخابه في هذا المنصب تلقائيا ً في كل عام حتى نهاية حياته. في العام 1705 أصبح أول عالم يسمى نبيلا ً من قبل الملكة آن.
لقد خلف لنا نيوتن إرثاً علمياً لم يضارعه أحد، حتى أن أفكاره تعد (في زمانه) أكثر ثورية من أفكار ألبرت آينشتاين في القرن العشرين!
وفي العام 1727 توفي ودفن في دير ويست مينستر وكتب على شاهدة قبره العبارة التالية: " هنا يرقد ما كان فانياً من اسحق نيوتن ".