بثت القناة العاشرة من التلفزيون الإسرائيلي تحقيقا مطولا صور عملية اغتيال الشيخ احمد ياسين وكأنها عملية استخبارية معقدة وعملية عسكرية تطلبت مهارات متفوقة، وتبرز القناة أهمية التفاصيل التي تكشف لأول مرة طريقة اتخاذ القرار باغتيال الشيخ أحمد ياسين وعدد من قادة حماس، من بينهم القيادي في حماس عبدالعزيز الرنتيسي، ويكشف التحقيق أن القرار باغتيال الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي اتخذ في نفس الجلسة التي ترأسها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق اريئيل شارون ووزير جيشه آنذاك شاؤول موفاز.
ويكشف التحقيق أن تقديرات جهاز المخابرات الإسرائيلية " الشاباك" كانت تخشى من أن توسع حماس رقعة علمياتها بعد اغتيال الشيخ ياسين إلى كل أرجاء العالم، وتجرى القناة مقابلات مع أبرز المسؤولين الإسرائيليين العسكريين الذي اشرفوا على عملية الاغتيال، وهم رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" الأسبق ووزير الجبهة الداخلية الحالي آفي ديختر وقائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق دان حالوتس ووزير الجيش الأسبق وزعيم حزب كديما شاؤول موفاز الذي يكشف لأول مرة أن جيش الاحتلال أطلق اسم "مقود السرعة –الجير" على عملية اغتيال الشيخ ياسين. وتستهل القناة التحقيق بالإشارة:" إلى أن العشرات من العسكريين والعشرات من الطائرات وعدد لا لا محدود من الوسائل الاستخبارية التكنولوجية والبشرية كانوا شركاء في عملية الاغتيال، تلك العملية التي اشرف عليها وزير الأمن وقائد الأركان، ورئيس الشاباك وقائد سلاح الجو، كل هؤلاء الرجال راضون عن أنفسهم اليوم."
وتستذكر القناة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي اتخذ قرار الإفراج عن الشيخ ياسين كان نتنياهو الذي اضطر لذلك جراء فشل عملية اغتيال نفذها الموساد لخالد مشعل في الأردن، مضيفةً" أن ذلك كان بناء على افتراض أن ياسين المريض والمعاق لايشكل خطرا على إسرائيل"، هذا الافتراض بحسب القناة ثبت خطؤه في اللقاء الصحفي الأول معه بعد الإفراج حيث أكد على حق الفلسطينيين في مقاومة إسرائيل.
ثم تجري القناة مقابلة مع رئيس جهاز الشاباك آنذاك آفي ديختر و تقدم القناة للمقابلة معه بالقول:" آفي ديختر وزير حماية الجبهة الداخلية و رئيس الشاباك في فترة تصفية ياسين يملك تاريخاً شخصياً طويلاً مع الرجل الذي تحول بالنسبة إليه إلى نوع من الهوس"، ويقول ديختر عن تجربته مع الشيخ ياسين للقناة:"لقد شككت بالشيخ ياسين في كثير من الأمور، في أمر واحد لم اشك هو أن يصبح معتدلاً.إنه يعرفنا جيدا، هذا الرجل المعاق المسكين صاحب الصوت المخنوق والذي يعاني من التهاب رئة خطير يبدو مظهره كأخو الأم تيرزا، ولكن هذا الرجل شرير وأنا لم أشاهد في حياتي كل هذا الشر في مثل هذا الجسد الضئيل."
وتعلق القناة على اللقاء مع ديختر بالقول:"خلال الانتفاضة الثانية اتضح أن الرجل المعاق والمريض الذي خشيت إسرائيل أن يموت في السجن قادرٌ على أداء مهامه، الصورة الاستخبارية التي طرحت على طاولة وزير الأمن في تلك الأيام شاؤول موفاز لم تبق مكاناً للشك، ويزعم وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز للقناة في هذا السياق:"لقد كان من رواد العمليات الانتحارية ضدنا أيضا في الدلفيناريوم وفي نتانيا والقدس في قائمة طويلة من الهجمات الإرهابية.. عشرات الهجمات." ثم تسأل القناة موفاز:"ماهي المعلومات التي أكدت لكم أن ياسين من كان يصدر الأوامر؟" ويرد موفاز قائلا:"هذه المعلومات مستقاة من آلاف الاعتقالات التي نفذت في تلك الفترة ومن المحادثات التي تتم بينهم، ومن معلومات استخبارية حصلنا عليها، وكان لدينا معلومات من أكثر من مصدر تؤكد أن ياسين يفتي بمشروعية العمليات الانتحارية."
وبعد لقاء موفاز تعود القناة لتسأل رئيس جهاز الشاباك ديختر:"هل كانت خلافات بينك وبين وزير الأمن شاؤول موفاز بخصوص ضرورة تصفية ياسي..أنت كنت ترى ضرورة تجربة وسائل أخرى؟" فيرد ديختر قائلا:"في الواقع لم يكن هناك خلافات كانت هناك نقاشات، المعضلة كانت ليس هل سنمس به أم لا بل هل يمكن استخدام وسائل أخرى...لقد خشينا من موجة إرهاب واسعة النطاق أكثر مما نعرف، لقد خيشنا انا وعدد غير قليل من القيادات أن تمتد الهجمات خارج نطاق الدولة."
ويلقي موفاز الضوء على النقاش حول اغتيال ياسين:"لقد كان هناك نقاش حاد حول كيفية رد الفلسطينين، أن الرعب سيكون كبيرٌ جداً، وأنه سيكون هناك رد وتظاهرات، ولكن لم اعتقد أن ذلك سيغير سلم الأولويات داخل إسرائيل بطريقة تؤدي إلى الندم على عملية التصفية." وتسأل القناة موفاز:"من شارك في ذلك النقاش؟ فيرد:"على طاولة وزير الأمن جلس قبل أن نذهب إلى رئيس الحكومة قادة الاستخبارات وقائد الشاباك ورئيس الموساد وشارك في الجلسة بقية قادة الأجهرة الأمنية الآخرين وقائد الأركان ولقد كان ذلك نقاش مفتوح حول طاولة مستديرة وكل واحد أبدى رأيه وفي النهاية كانت يجب أن نتخذ قرار في مسألة اغتيال الشيخ ياسين".
وتسأل القناة موفاز :"هل في النهاية مالت الأغلبية نحو تنفيذ التصفية؟ فيقول موفاز.:"أنا اعتقد أن القادة وكل من كان مسؤولا في تلك الأيام كان مؤيدا لذلك، محللي الاستخبارات كانوا متشككين وكان يتوجب عليهم التحذير من تداعيات اليوم الذي سيلي التصفية." وتتابع القناة:"عندها نقلت التوصية إلى رئيس الحكومة شارون وماذا تم في تلك الغرفة؟" فيقول موفاز:"ذهبنا إلى شارون الذي اقر الأمر ولكن النقاشات عند شارون كانت قصيرة نسبيا واستمع إلى الجميع بروية ولكنه أجمل النقاش قائلا أنا أساندكم ومن الآن عليكم إيجاد الطريقة والزمن المناسب لفعل ذلك".
وتنتقل القناة بعد ذلك إلى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" آفي ديختر ليزعم للقناة أن جهازه حصل على معلومات تفيد أن قادة حماس السياسيين والعسكريين سيجتمعون في شقة في غزة لافتا أن القائد العام لكتائب القسام محمد ضيف الذي تلاحقه اسرائيل منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما شارك في الاجتماع بالإضافة إلى الشيخ ياسين وقال ديختر في هذا السياق:"في السادس من سبتمبر عام ألفين وثلاثة كان ذلك التاريخ الذي نُقش في وعيي؛ لأنها كانت المرة الوحيدة في حياتي التي أتذكر فيها حماس ترتكب خطأً استراتيجياً..لقد امتلكنا معلومات استخبارية جيدة حول اجتماعات قادة حماس السياسيين والعسكريين مع أني لا أحب هذا الفصل بين السياسي والعسكري وكان ثمة نقاش لديهم وكان لدينا معلومات جيدة ودقيقة، وعلمنا بالضبط في أي بيت يتواجدون..
كان هناك ثلاثة إمكانيات لبيوت قد تقام فيها الجلسة، تأهبنا، البيوت كانت مرتبة من حيث من البيت الأسهل بالنسبة لنا ومن البيت الأقل سهولةً، ولعب الحظ لصالحنا واختاروا البيت الأفضل من ناحيتنا، وكان هناك نقاش هل هم في الطابق العلوي أم أنهم في قبو لقد حرصنا خلال تنفيذ عمليات التصفية أن لا نلحق الأذى بالمدنيين، وأنا اذكر مكالمة، كنا أربعة أشخاص على نفس الخط الهاتفي السري، أنا ووزير الأمن ورئيس الحكومة وقائد الأركان، وكان هناك نقاش هل سنقصف باستخدام قنبلة تزن طن أو بواسطة قنبلة نصف طن..
وعندها أتذكر اللحظة التي اندلع فيها النقاش عندنا في أوساط الجهات التنفيذية بحضور رئس الأركان ونائبه ورئيس الاستخبارات العسكرية والبقية، وكان التساؤل أي ذخيرة سنستخدم، ونحن كنا نتذكر القنبلة التي ألقيت على صلاح شحادة والتي أدت إلى المساس بخمسة عشر شخصاً بريئاً..في اللحظة التي يبدأ فيها الشك القصة تتوقف لحسن حظنا، حماس كانت في ذلك البيت، عملوا كما نرغب، لقد تصرفوا وكأنهم ينفذون أوامرنا ولقد مددوا اللقاء لساعات وكان هناك معضلة، بعد أن تقلينا التعليمات أن نتوقف في لحظة احتدام النقاش وكنت أتحدث مع وزير الأمن ورئيس الحكومة في النهاية اقتنعوا أنه بالإمكان تنفيذ العملية رغم أن احتمالات النجاح منخفضة."
وتتوجه القناة إلى قائد سلاح الجو آنذاك دان حالوتس لتسأله عن تلك المحاولة لاغتيال قادة حماس:"هل قرروا بخلاف رأيك أم أنك كنت شريكاً باتخاذ القرار في أعقاب ما تم مع صلاح شحادة؟" فيرد حالوتس:"أنا لا اذكر حتى أقول لكي أنني طلبت قنابل أدق أو لا، ولكن في النهاية قرروا أن يكون وزن القنابل أقل مما طلبت بكثير".
وتعود القناة إلى ديختر ليقول:"سلاح الجو نفذ مهمته بإخلاص واستهدف المكان الذي خططوا الاجتماع به وكل الطابق الثاني تدمر ولكن المشكلة في لظة انفجار القنبلة شاهدنا هرب جماعي، وهناك من شاهد الصور، وهناك من اقسم انه شاهد احمد ياسين هاربا مشياً من المنزل ولكن كان ذلك كما يبدو مجرد أسطورة."
ويعقب وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز على فشل محاولة اغتيال قادة حماس بالقول:"وظهر تساؤول هل نخرج الطائرات مجددا إلى السماء لنحاول اغيتال كل واحد منهم بشكل منفرد وأنا اعتقد أن ذلك ليس أمراً صائباً ولن يكون فعالا، لأنه قد لا ننجح ولذلك قررنا الانتظار لفرصة أخرى."
وتعاود القناة إلقاء الضوء على كيفية اتخاذ قرار اغتيال ياسين التي نجحت بالقول:"في الرابع عشر من شهر مارس عام ألفين وأربعة انفجر انتحاري في ميناء أسدود وقتل عشرة من العمال الإسرائيليين، وفي ذلك اليوم اجتمع المجلس الوزاري المصغر وقرر استئناف الاغتيالات." ويقول موفاز للقناة وهو يطلع معدة التحقيق على دفتر ملاحظاته الذي وثق فيه قرار اغتيال ياسين والرنتيسي:"أنا أوثق كل الاجتماعات منذ سنوات، هنا حددت الفترة، لقد كانت جلسة تقدير موقف في أعقاب الهجوم في أسدود في الخامس عشر من مارس، لن اريك كل شيء وهنا التوصيات وهناك توصية حول التساؤل، كيف تمت العملية، وهنا توصية حول كيف نحمي هذه المنشآت، وهنا قررنا التصعيد بمواجهة قادة حماس وهنا صدر قرار عملية لاستهداف الرنتيسي المسوؤل عن الهجمات، وهنا قرار بشأن إغلاق القطاع."
وتسال معقدة التحقيق موفاز :"ولكن أرى الرنتيسي ولم أرى ياسين" فيرد موفاز:" اسمه موجود هنا أنظري لقد كنا نطلق على ياسين رمز " مقود السرعة – جير السرعة" إنه اسم عملية اغتيال ياسين" وتغادر القناة الحديث مع موفاز إلى الحديث مع ديختر ليقول:"بعد أيام من ذلك القرار، المعلومات الاستخبارية القادمة حول الشيخ ياسين قدمت لنا صورة واضحة عن تحركاته." ويقول موفاز للقناة:"ياسين يسكن في حي الصبرا جنوب القطاع ولقد كان يعلم أننا نريد تصفيته، ولذلك كان حذرا جدا ولا يخرج من منزله إلا إلى مكانيين فقط، إلى منزل أخته والى المسجد."
ويتحدث ديختر عن تحركات الشيخ ياسين قبل اغتياله ويقول:"في احد الأيام لاحظنا أنهم يقودونه بالليل إلى المسجد." ويصف موفاز تلك اللحظات:"وكنا جالسين في انتظار أن يخرج ليدخل على الجيب وثم لإصدار التعليمات ولكنه لم يخرج وأصبحت الساعة الثانية عشر ليلا وسألوني، ماذا نفعل، قلت لهم لن ننتظر حتى ينهي صلاته، ولكن كل المنظومة التي تدربت على تنفيذ التصفية يجب أن تبقى في مكانها."
ويكشف قائد سلاح الجو الإسرائيلي آنذاك دان حالوتس:"الطائرات تحلق بالجو بشكل متواصل على مدار الساعة، طبعا يتم استبدالها كل فترة..نحن نتحدث عن طائرات بطيار وبدون طيار وطائرات استطلاع وأيضا الكثير من الأمور التي لا يجب أن نتحدث عنها." ثم يقول موفاز:"جاء الهاتف في الساعة الرابعة والنصف فجراً وعلمنا بوجود تجمعٍ على باب المسجد وكان برفقتة مابين ستة إلى سبعة حراس من مخربي حماس حيث كانوا يحيطون به وقادوه على كرسيه نحو منزله".
ويقول ديختر:لقد دفع حراس ياسين كرسيه المتحرك بسرعة ولكن بعد ثواني من خروجه من المسجد تم تشخيصه بدقة". وتسأل القناة ديختير:"لقد شاهدتموه عبر كاميرات طائرات الاستطلاع؟" فيرد:"عندما أقول شاهدته لاتظني أني رأيته كما نرى بالعين، أن نراه استخبارياً أمرٌ معقد جداً، يعني أننا نرى عبر التصوير من الجو ومن الأرض"". ثم يقول قائد سلاح الجو الإسرائيلي:"في تلك اللحظة كان هناك سرب طيران، واقترب القائد وقال أنا استطيع التنفيذ ونفد بشكل دقيق".
وتختم معدة التحقيق التلفزيوني بالقول:"منذ عام ألفين وواحد، اغتالت إسرائيل داخل غزة فقط مئتي إرهابي من الكبار وهذا لايشمل المئات من المخربين العاديي، كل من شارك في عملية تصفية ياسين يعتقد حتى اليوم أن التصفيات هي الطريقة الأكثر فعالية ضد الإرهاب، ففي حال ضرب رأس الأفعى لن تتمكن الأفعى من اللسع لوقت ما، ولكن أفغى غزة تعوض رأسها بسرعة مثلما تستبدل الأفعى جلدها".