خواص النواة (1)
تمهيد :
لقد قدّم العالم رذرفورد في العام 1911 من خلال تجربته الشهيرة الدليل على وجود النواة .
حيث قام باستخدام دقائق ألفا [ وهي جسيمات موجبة ] لقذف صفيحة رقيقة جداً من الذهب . وقد وجد أن معظم الجسيمات قد مرت دون انحراف من خلال ذرات الذهب وواصلت الحركة في خط مستقيم . أما البقية القليلة فقد ارتدت بشدة أو انحرفت بزاوية كبيرة . وقد قدّمت هذه النتائج النموذج الحديث للذرة والذي افترض وجود نواة ثقيلة موجبة الشحنة في مركز الذرة . والكترونات خفيفة نسبياً سالبة الشحنة تدور في مدارات حول النواة.
وتعود بدايات الفيزياء النووية إلى عام 1896 ، حيث قدّم العالم هنري بيكريل الدليل على النشاط الإشعاعي لعنصر اليورانيوم ، ثم توالت دراسات مختلفة لتعرف النواة وماهيتها ، وقد جعل العالم رذرفورد الإشعاعات غير المرئية الصادرة عن أحد العناصر تتحرك في مجال مغناطيس عمودي على الورقة إلى الداخل وقد وجد أن بعض الإشعاعات تمر دون انحراف (أشعة جاما ) ، وبعض هذه الإشعاعات انحرف إلى الأعلى (جسيمات ألفا ) أما المجموعة الأخيرة فانحرفت إلى الأسفل (جسيمات بيتا ) .
وفي العام 1930 قام "بيث وبيكر" في ألمانيا بقذف العناصر الخفيفة مثل الليثيوم والبريليوم بجسيمات ألفا المنبعثة من البولونيوم ، حيث لاحظا نتيجة لذلك انبعاث اشعاع عالي النفاذية حيث تمكن من اختراق عدة سنتيمترات من الرصاص بسهولة . وقد اعتقدا أن هذا الإشعاع هو إشعاع جاما ، إلا أن العالم "شادويك" أجرى في العام 1933 سلسلة من التجارب أثبت فيها أن هذا الإشعاع عبارة عن جسيمات مادية غير مشحونة ، كتلة كل منها تقارب كتلة البروتون ، وأطلق على هذه الجسيمات اسم "النيوترونات".
بعد هذا الاكتشاف تم وضع نموذج النواة الحديث "البروتون – النيوترون" والذي يشير إلى أن النواة تتكون من بروتونات ونيوترونات . وقد أطلق على كل من البروتون والنيوترون اسم "نيوكليون" . كما أطلق على عدد البروتونات في النواة اسم "العدد الذري للعنصر" . أما عدد النيوكليونات في النواة فأطلق عليه اسم "العدد الكتلي للعنصر" .
وللتعبير عن أنوية العناصر ، يُستخدم نفس الرمز الذي يستخدمه الكيميائيون للتعبير عن ذرات العناصر ، ويكتب العدد الذري أسفل الرمز جهة اليسار ، و"العدد الكتلي" أعلى الرمز جهة اليسار أيضاً .
فالرمز
يدّل على نواة الهيدروجين التي عددها الذري = 1 ، وعددها الكتلي = 1 ،
أما الرمز فيدل على نواة الهيليوم التي عددها الذري = 2 ، وعددها الكتلي = 4 .
وحدة الكتل الذرية
نظراً لأن كتلة الجسيمات في الذرة صغيرة جداً ، لذلك فإنه يَصعب تقديرها بوحدة الكتل العيارية الدولية (كغ) ، ولذلك عمد العلماء إلى اختيار وحدة مناسبة لقياس كتل ذرات العناصر ، وسميت "وحدة الكتل الذرية" (a.m.u) (و.ك.ذ) .
ولكي نتمكن من معرفة مقدار و.ك.ذ بوحدة (كغ) فإن : الكتلة الذرية الجرامية لأي عنصر تحتوي على عدد من الذرات هو عدد أفوجادرو المساوي لـِ : 6.02 × 10 23 ذرة .
وبذلك يكون 12 غ من الكربون يحتوي على 6.02 × 10 23 ذرة
أما لحساب (و.ك.ذ) بالوحدات المكافئة من الطاقة .
من معادلة آينشتين ط = ك س2 حيث ط : الطاقة المكافئة للكتلة
ك : كتلة الجسم (كغ)
س : سرعة الضوء
= 3 × 10 8 م / ث
وبذلك تكون و.ك.ذ = 1.666 × 10-27 × (3 × 10 8)2
= 1.4994 × 10-10 جول .
ولحسابها بوحدة "مليون الكترون فولت" نقسم على شحنة الإلكترون – ثم نضرب في 10-6
مكونات النواة
تتكون ذرات العناصر من الجسيمات الأساسية التالية : الإلكترون والبروتون والنيوترون
ويمكننا مقارنة هذه الجسيمات الأساسية على النحو التالي :
الشحنة (كولوم) بوحدة مليون الكترون فولت الكتلة
و.ك.ذ الكتلة
كغ رمزه الجسيم
-1.602 × 10-19 0.511 0.00055 9.11 × 10-31
الإلكترون
1.602 × 10-19 938.28 1.0073 1.673 × 10-27
البروتون
صفر 939.97 1.0087 1.675 × 10-27
النيوترون
نلاحظ من الجدول ما يلي :
كتلة النواة تعادل ( تقريباً ) كتلة الذرة . لماذا ؟
وذلك لأن كتلة الإلكترون صغيرة جداً مقارنة بكتلة كل من البروتون أوالنيوترون .
(كتلة البروتون = كتلة النيوترون @ 1800 كتلة الإلكترون) .
حجم النواة
أما فيما يتعلق بحجم النواة ، فلقد توصل العالم رذرفورد في التجربة السابق ذكرها إلى أن معظم حجم الذرة فراغ واستطاع استنتاج أن نصف قطر النواة لا يتجاوز 10-14 م . وقام بعد ذلك بعدة تجارب أثبتت أن النواة كروية الشكل تقريباً وأن نصف قطرها يعطى بالعلاقة
حيث : نق : نصف قطر النواة
نق. : مقدار ثابت 1.2 × 10-15 م
ع ك : العدد الكتلي
وبذلك فإن حجم النواة ح = ثابت ع ك مما يؤكد أن حجم النواة يتناسب طردياً مع العدد الكتلي
(عدد النيوكليونات)
النظائر
يستخدم "مطياف الكتلة" لتحديد كتل ذرات العناصر المختلفة . وتتلخص فكرة عمل هذا الجهاز في إخضاع ذرات العنصر إلى عملية تأيين ، وذلك بتحويلها إلى أيونات موجبة ، ثم تعرّض لمجالات كهربائية ومغناطيسية ، وبدراسة المسارات الناتجة ، يمكن تعيين كتلها من القياسات الناتجة من المطياف ، وعندما نعيّن كتلة الأيون فإننا نكون قد عيّنا كتلة الذرة ، وذلك بسبب صغر كتلة الإلكترونات .
لوحظ من هذه القياسات أن ذرات نفس العنصر قد تختلف في الكتلة {تتساوى في عدد البروتونات ، وتختلف في عدد النيوترونات} .هذا وقد سميت مثل هذه الذرات "النظائر" .
فالنظائر : "ذرات العنصر الواحد التي تتساوى في العدد الذري ، وتختلف في العدد الكتلي" .
أي أن لها نفس الخواص الكيميائية ولكنها تختلف في الخواص الفيزيائية فالهيدروجين يوجد في ثلاث صور:
والكلور يوجد في صورتين
أما الكوبلت فله تسعة نظائر . وقد أثبتت الدراسات أنه يوجد في الطبيعة ما يقرب من 280 نظيراً مختلفاً . ويمكن تصنيع بعض النظائر . وتكون النظائر عادة مستقرة إلا أنها بعضها تكون مشعة وتسمى النظائر المشعة .
قد وجد أن نظائر العنصر الواحد لا تتواجد في الطبيعة في أية عينة من العنصر بنسب متساوية ، فالكلور مثلاً يتواجد نظيراه على الترتيب بنسبة 1 : 3 في أية عينة منه .
وعلى ذلك فإنه من أجل حساب الكتلة الذرية لأي عنصر لا بد من الأخذ في الاعتبار نسبة وفرة النظير من العينة وبالتالي فإن : الكتلة الذرية لعنصر هي متوسط كتل نظائر العنصر بحسب نسب وجودها في الطبيعة.
طاقة الربط النووية
عرفت مما سبق أن النواة تتكون من النيوترونات عديمة الشحنة ، والبروتونات موجبة الشحنة وأن كل هذه الجسيمات تقع في حيز صغير جداً ، ولذلك فإنه يتوقع أن تكون قوى التنافر بين البروتونات كبيرة جداً، ولكن يلاحظ أن أنوية العناصر شديدة التماسك ، فما هي القوة التي تربط مكونات النواة مع بعضها البعض ؟
لنأخذ مثلاً نواة ذرة الهيليوم حيث تحتوي على بروتونين ، ونيوترونين ، ولقد وُجد أن مجموع كتل مكونات النواة أقل من كتلة النواة الفعلية ، وأن هذا النقص أكبر من أن يعزى إلى الخطأ التجريبي .
ولقد قام العالم آينشتين بتفسير هذا الفرق ، حيث أوضح أن الكتلة تكافيء الطاقة (ط = ك س2) . وتكون طاقة مكونات النواة (وهي متباعدة عن بعضها) أكبر من طاقتها وهي مرتبطة معاً لتشكيل النواة ويدعى الفرق بين هاتين الطاقتين (طاقة الربط النووية) والتي تعرف بأنها : الطاقة التي تربط نيكليونات النواة بعضها إلى بعض أو الطاقة اللازمة لفصل مكونات النواة فصلاً كاملاً .
وهي تساوي : طاقة الربط النووية = ك س2 = ك × 931 مليون الكترون فولت / و.ك.ذ
حيث ك : النقص في الكتلة .
وقد وجد العلماء أن القوى النووية تتميز بالخصائص التالية
1) القوى النووية لا تعتمد على ماهية النيوكليونين المتجاذبين ، سواء أكانا بروتونين أم نيوترونين أم
بروتوناً ونيوتروناً .
2) القوى النووية قصيرة المدى : فهي تتلاشى عندما يصبح البعد بين النيوكليونين أكبر من 1.4 × 10-15 وهذا معناه أن النيوكليون في الأنوية الكبيرة . لا يرتبط بجميع نيوكليونات النواة بل يرتبط
فقط بالنيوكليونات المحيطة به ضمن كرة نصف قطرها 1.4 × 10-15 م .
3) لا تخضع هذه القوة لقانون التربيع العكسي
متوسط طاقة الربط النووية
تسمى طاقة الربط النووية لكل نيوكليون "متوسط طاقة الربط النووية" . وتعد هذه الكمية مؤشراً قوياً على استقرار العنصر فكلما زاد متوسط طاقة الربط النووية للعنصر . كان هذا العنصر أكثر استقراراً وتحسب كما يلي :
وبذلك يتغير متوسط طاقة الربط النووية بتغير العدد الكتلي كما هو موضح في الشكل
ويتضح من هذا الشكل ما يلي :
1) يتراوح متوسط طاقة الربط النووية للعناصر بين (1 مليون الكترون فولت) لنظير الهيدروجين ( )
و8.7 مليون الكترون فولت للحديد ( ) .
2) أكثر العناصر استقراراً هي العناصر المتوسطة في الجدول الدوري (العدد الكتلي 40 – 120) وهي تمتلك أكبر متوسط طاقة ربط نووية ويعتبر الحديد ( ) أكثر العناصر المتوسطة استقراراً .
3) العناصر التي يزيد عددها الكتلي عن 120 والتي تعرف بالعناصر الثقيلة ، يقل متوسط طاقة ربطها النووية عن العناصر المتوسطة ولذلك تكون أقل استقراراً . ولهذا تميل للانشطار أو للنشاط الاشعاعي الطبيعي .
4) العناصر التي يقل عددها الكتلي عن (40) والتي تعرف بالعناصر الخفيفة يقل متوسط ربطها النووية عن العناصر المتوسطة ولذلك تكون أقل استقراراً وتميل للاندماج أو للنشاط الإشعاعي الطبيعي