حقوق الإنسان
منذ ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها ، اهتمت الاسرة الدولية بشكل كبير بالحقوق الأساسية للإنسان ، وأصبحت قضية احترام الانسان تزداد بصورة مطردة مع ظهور مشكلات الحروب والنزاعات بين بني البشر ، ثم بدأ الانسان يظهر كأحد رعايا القانون الدولي تجنباً لانتهاك حقوقه الثابتة بصرف النظر عن قوميته او معتقداته او لونه او جنسه او ديانته.
وحين نشبت الحرب العالمية الثانية 1939-1945 سببت كوارث قاسية ومدمرة ضد الجنس البشري وانتهكت حقوق الانسان بصورة خطيرة حتى بلغت ضحايا الحرب ملايين البشر من النساء والاطفال والشيوخ والرجال ومن العسكريين والمدنيين كما استعملت مختلف صنوف الاسلحة المدمرة (مثل القنابل النووية) والفتاكة مثل السلاح الكيمياوي والبايولوجي والغازات السامة معاً في ابادة الجنس البشري.
ولقد شاع استعمال التعذيب وعقوبة الاعدام وسياسة التهجير والطرد للسكان المدنيين والتطهير العرقي وغيرها من الجرائم الخطيرة مما دفع المجتمع الدولي الى تشكيل محكمة دولية لمحاكمة المجرمين الدوليين في نورمبرغ في المانيا لكي لا يفلت مجرم من العقاب ولكي لا يسود مبدأ الانتقام الشخصي والثأر. وبعد ذلك صدر ميثاق الامم المتحدة وبتعه الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948.
ثم توالت الصكوك واللوائح الدولية والمواثيق والعهود الدولية التي تنص على احترام حقوق الانسان ونبذ القوة في الصراعات من اجل بناء السلم وتعزيز الامن واحترام القانون واللجوء اليه في حل النزاعات وقد اصبح مسألة السيادة الوطنية من المسائل غير المطلقة ويمكن ان تتقيد بفعل قواعد القانون الدولي فيسود القانون الدولي على القانون الوطني وتكون له العلوية على القوانين الوطنية من اجل حماية الانسان وحقوقه من الاهدار او الانتهاكات وبخاصة من انظمة الحكم الدكتاتورية. وما تزال قضية حقوق الانسان في العصر الحديث من اهم القضايا التي تشكل سبباً للنزاعات بفعل سياسة الانظمة الشمولية في بعض دول العالم وغياب الديمقراطية وحكم القانون مما يوجب على المجتمع الدولي التدخل لحماية هذه الحقوق تجنباً للنزاعات ومن اجل حماية الامن والسلم الدوليين والى ذلك اشار السيد كوفي عنان (الامين العام للامم المتحدة) في 16 اذار عام 1998 قائلاً الى ان قضية انتهاكات حقوق الانسان من العوامل التي تهدد الامن والسلام في العام.. ومن هنا اصدر مجلس الامن الدولي قراره المرقم 688 الخاص بحماية الشعب العراقي في نيسان من عام 1991 عقب انتكاسة انتفاضة الشعب العراقي وهرب مليوني كردي الى الجبال خوفاً من قيام نظام صدام باستخدام السلام الكيمياوي او البايولوجي ضد الكرد فضلاً عن هرب مئات الالاف من العرب في جنوب العراق الى ايران هرباً من بطش النظام.
فالحكومة الاردنية تعمل علي تحويل المبادئ والمفاهيم الاساسية لحقوق الانسان كجزء من نسيج الثقافة الوطنية. ومع انه ضمن هذا الاطار تبرز الدعوة الي تبني مبادئ اساسية جوهرها الاحترام المتبادل، والفهم الدقيق لمعني المسؤولية وواجباتها وحقوقها، وكذلك الدعوة الي الحوار الذي يعد ركيزة اساسية في الرؤية والفكر السياسي الاردني. سواء الحوار علي المستوي الداخلي بين المؤسسات الوطنية كافة حكومة، (نقابات، احزاب، صحافة، مؤسسات المجتمع المدني) او علي المستوي الدولي والعالمي، وترسيخ اسس التعامل وفق آليات المصارحة والشفافية والعلانية.
وهذا يوضح انه لا خلاف في ان تحويل الثقافة الوطنية باتجاه ثقافة الحريات: وحقوق الانسان كما عبرت عنها الاتفاقيات الدولية تصطدم بعقبتين اساسيتين الاولي العقبة السياسية: حيث لا تزال حقوق الانسان في المنطقة تنتهك اقصي الانتهاكات من قبل اسرائيل وفي مناطق مختلفة في العالم مما يوحي بازدواج المعايير وازدواج المقولات والمواقف مما ينعكس علي جدية الثقافة الداعية الي حقوق الانسان ومصداقيتها أو أهميتها العملية وهذا يعني انه في الوقت الذي تنهمك فيه المؤسسات الدولية والمنظمات بالدعوة الي احترام حقوق الانسان وحرياته يجب ان يكون لهذه المؤسسات والمنظمات دور حقيقي وحاسم في الدفاع عن حقوق الانسان الذي يقع تحت الاضطهاد السياسي الذي تتبناه دولة بكاملها او حزب بكامله. كذلك فان مثل هذه المؤسسات ينبغي ان يكون لها دور في التصدي للثقافات العنصرية والثقافات الشوفينية والثقافات والايدولوجيات التي تقوم علي سحق الطرف الاخر وانكار وجود الانسان الاخر لكي يمارس الطرف الاول حقوقه علي حساب الاخرين.
ان حرية الانسان وحقوقه كل لا يتجزأ بالمفهوم الوطني والاقليمي والدولي وهذا يعني ان مسؤولية الشعوب في عدم اضطهاد الشعوب الاخري واستلابها حقوقها واراضيها وحرياتها وهويتها ومياهها ووسائل تعليمها ومستقبلها ينبغي ان تكون مسؤولية واضحة وعملية ويجب ان تكون من صميم الثقافة الوطنية.
الثانية العقبة الاقتصادية: ذلك ان انجاز ثقافة جديدة تنظم الحياة الاجتماعية بأسرها وتقوم علي مبادئ حقوق الانسان بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق الطفل والاقليات والشرائح المختلفة يتطلب برنامجا وطنيا بعيدا، الامر يتغلغل في برامج التعليم والتربية والاعلام ويطور الثقافات الانسانية القطاعية بما يحقق بينها الانسجام والتواؤم ومثل هذا الانتاج الثقافي يتطلب مساعدات دولية بسبب الكلفة العالية لمثل هذا البرنامج اذا اريد له ان يستكمل في وقت قصير.
ان حقوق الانسان لا يمكن ان تعيش الا في وجود ديمقراطي صحيح حيث الرأي والرأي الآخر، وحيث التعددية السياسية وفي ظل دولة القانون وفي اطار السيادة القانونية ان الاردن كان من بين الدول التي شغلتها حرية حقوق الانسان وقد شهدت هذه الحركة سنوات من المد والجزر تبعا لطبيعة المرحلة السياسية وهيمنة السلطة التنفيذية علي بقية السلطات.
وقد بلغت حقوق الانسان اوجها مع تشكيل اللجنة الملكية لمركز دراسات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في الوطن العربي التي اجتمعت عشرات الاجتماعات وتمخض عنها وضع مسودة مشروع قانون لم ير النور بعد لقد ذكر ابراهام لنكولن تستطيع (ان تخدع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع ان تخدع بعض الناس كل الوقت لكنك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت) فكيف يمكننا ان نقول ان العالم يطبق حقوق الانسان بالنسبة للاشقاء العراقيين وهم يحرمون من الغذاء والدواء بقرار عالمي. وكيف نتحدث عن حقوق الانسان في فلسطين في الوقت الذي تنكر فيه اسرائيل حق تقرير المصير وتطبق يوميا مبدأ العقاب الجماعي والتصفيات الجسدية وضم القدس الشريف.
ان حقوق الانسان لا تنتهي بحقه في حرية التعبير، فالحكومة تعمل كل طاقتها علي توفير حقوقه المدنية والاجتماعية والاقتصادية الاخري من خلال خطة تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة، فهذه ايضا حقوق انسانية اساسية لتوفير العلاج، والمسكن اللائق، والماء النظيف، والحد من البطالة، ومحاربة الفقر.. ان هذه الحقوق التي تعمل الحكومة علي تأمين ما استطاعت منها.. هي حقوق مقدسة جوهرية لحياة الانسان وبقائه، وهي اولوية ايضا، كما هي الحريات السياسية وحرية التعبير.
فالديمقراطية لا تقوم الا علي ساقي السلطة التنفيذية، والمعارضة، والمعارضة طرف رئيس واساس في النهج الديمقراطي، ويجب علي اي معارضة ان تكون قوية في برامجها المدروسة وبياناتها الموثقة، وان لا تعارض من اجل المعارضة، ولكن من اجل تقديم البديل الافضل، لان ذلك مصلحة الوطن والمواطن ان سيادة القانون تعني العدالة والمساواة، والحفاظ علي الحقوق الانسانية، وان غيابها يعني الفوضي والانحلال. . وطالما اشار الدستور الي عبارة وفق احكام القانون . وجاء في المادة السابعة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الناس جميعا سواء امام القانون وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون من دون تمييز .
ان السلطة التنفيذية واعني بها الحكومة اذا قامت بمعاقبة اي انسان علي مخالفة او جريمة ارتكبها تكون متعسفة جائرة ظالمة.. ولكن عندما تقدم السلطة التنفيذية هذه المخالفة او الجريمة الي القضاء، وهو سلطة مستقلة نزيهة عادلة فان القضاء هو الذي يفصل فيها اما بالادانة او البراءة فهذه هي العدالة وسيادة القانون التي نص عليها الدستور، والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وهذه هي الديمقراطية التي تقوم اساسا علي حرية الفرد والمجتمع والتي تحميها سيادة القانون والواقع ان الولايات المتحدة التي تقصف حالياً افغانستان بحجة مكافحة الارهاب واجتثاثه تغمض عينيها عن قضية الاعتداءات الاسرائيلية علي الشعب الفلسطيني، وهذا يعني ان مسألة حقوق الانسان لم توزع بالتساوي وبينما تكال في نظر الشعوب المتمدنة بمكيالين فالهجوم الحالي علي افغانستان وقبله علي العراق، والسودان،
يجعلنا نتساءل اين حقوق الانسان وثقافته؟
ان الاردن لا يعمل في فراغ، وانما في منطقة لم تشهد في تاريخها كله مثل هذا الضغط الداخلي والخارجي الذي تشهده الآن، وحياتنا التي تتأرجح ما بين بريق الامل وحلكة القنوط لا يمكن ان تستوي الا بالحوار الهادف مع الذات ومع الآخر.
صحيح ان هناك بعض القيم القادمة التي لاتستوي مع ثقافتنا وحضارتنا ولكن الاجابة
ليست بالتقدم باعلان لحقوق الانسان خاص بنا، وكأننا نتحرك بجسد غريب علي الانسانية وانما بالتقدم نحو الانسانية من منطلق المصالحة وتقريب وجهات النظر، واذا ما كنا نمثل حضارة تكافح من اجل البقاء في وسط عالم متغير فاننا لسنا وحدنا، ولنذكر ونتذكر في حوارنا مع ذاتنا والآخرين ان الخيوط التي تسير جميعها في اتجاه واحد لن تصنع نسيجا وان الفكرة او القيمة التي لا تواجه التحدي قد لا تستحق الحياة.
بعض المعوقات البيروقراطية وبعض القوي التي لا تؤمن بالتقدم والتغيير قد أدت الي تأخر اقرار القانون فان الاتجاه العام يسير نحو مزيد من الاهتمام بهذا الموضوع وتحقيق انجازات مهمة علي صعيده وان تفضل رئيس الوزراء برعاية هذه الندوة لهو خير دليل علي الاهتمام الذي توليه الحكومات وبخاصة الحكومة الحالية لهذا الموضوع.
ان الاهمية الكبيرة التي يوليها الاعلام لمفهوم حقوق الانسان واستخداماته في السياسة الدولية صبغته بالطابع السياسي والايديولوجي الي درجة الدول استخدمته في صراعها علي الساحة الدولية حتي ظهر مؤخراً اتجاه للنظر لحقوق الانسان نظرة فلسفية واخلاقية واستخدم في عمليات تقييم السلوك السياسي علي المستوي الفردي والمؤسسي والدولي.
واضاف لقد تباينت التصنيفات لحقوق الانسان وتعددت الآراء في تحديدها وبيان أنواعها ففي الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة بين ان حقوق الانسان نوعان: الاول حقوق مدنية وسياسية، والثاني حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية، وهناك من قسم حقوق الانسان الي الحقوق والحريات التقليدية ثم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ومن البديهي القول ان من الثقافة المطلوبة، يرتبط بتدريس حقوق الانسان ارتباطاً وثيقاً بفكرة احترامها، فالتعليم والتوعية بحقوق الانسان خطوة لا غني عنها لكفالة احترامها وضمان اعمالها علي ارض الواقع. وإلا فكيف يتصور ان يطالب شخص بما يجهل انه حقه؟؟ او ان يلتزم آخر باحترام حقوق وحريات الغير اذا لم يكن يعلم اصلاً بوجودها، واذا كان الشعور باحترامها لم يستقر في نفسه ويرسخ في عقيدته؟
فالتعليم والتوعية بحقوق الانسان ومضمونها وابعادها المختلفة هما نقطة البدء لتطبيقها واعمالها بصورة فعلية، باعتبارهما خطوة اساسية للخروج بتلك الحقوق من الحيز النظري الي مجال التطبيق العملي... فتدريس حقوق الانسان يؤدي الي تنمية الحس الانساني وتعميق الوعي بها وتعميق روح التفاهم والتعاون المشترك بما يخدم التمسك بحقوق الانسان وحرياته الاساسية.
وفي ضوء ذلك يتضح لنا أهمية أن يمتد تعليم حقوق الانسان ليشمل جميع مراحل التعليم من التعليم الاساسي وحتي التعليم الجامعي والدراسات العالية كل مرحلة بالطبع بالقدر الذي يتلاءم مع قدرات طلبتها.
وماذا عن الأردن؟
لقد حث الميثاق الوطني الاردني علي ضرورة الالتزام بحقوق الانسان واحترامها واكد بأن الدولة هي دولة القانون هي الدولة الديمقراطية التي تلتزم بمبدأ سيادة القانون وتستمد شرعيتها وسلطاتها وفاعليتها من ارادة الشعب الحرة، كما تلتزم كل السلطات فيها بتوفير الضمانات القانونية والقضائية والادارية لحماية حقوق الانسان وكرامته وحرياته الاساسية التي ارسي الاسلام قواعدها وأكدها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وجميع المواثيق الدولية والاتفاقات الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الخصوص الميثاق ــ الفصل الثاني ــ علي ضرورة الالتزام بالديمقراطية والعقلانية.
كيف يمكن لنا أن نصل الي ما يحثنا عليه الميثاق من دون ان تنطلق في البلاد حركة تربوية وتثقيفية واسعة لتدريس حقوق الانسان؟ ان السنوات الطويلة الماضية! من الاوضاع الشاذة جعلت الكثير من المواطنين ينسون اصلاً بأن لهم حقوقاً وأن الارتقاء بالوضع الديمقراطي يتطلب من بين ما يتطلب الاهتمام بتدريس حقوق الانسان منذ سن مبكر علي غرار ما يجري في البلدان الحريصة فعلاً علي الديمقراطية وعلي احترام حقوق الانسان.
اننا ندعو المؤسسات التعليمية كافة وبالدرجة الاولي نتوجه الي المسؤولين من اجل اتخاذ قرار شجاع ورائد بتخصيص مادة حقوق الانسان في المؤسسات التعليمية مراحل أساسية وثانوية وجامعية لتدريسها وتكريس ساعة اسبوعية علي الأقل لهذا الغرض. اننا بذلك لن نفعل شيئاً آخر سوي الانسجام مع نصوص الميثاق الوطني وتوجهات جلالة الملك التي اكد فيها أكثر من مرة انتهاج الاردن لمبادئ حقوق الانسان.
حقوق الانسان
وبخصوص المرأة وحقوقها، فقد طرأ تحسن كبير وسريع علي حقوق المرأة في الاردن، واصبح للمرأة حق الترشيح والانتخاب لمجلس النواب. وشاركت المرأة في الحكومات الاردنية منذ منتصف السبعينيات ولا تميز الدوائر الحكومية بين المرأة والرجل، بل علي العكس والواقع ان المؤسسات الثقافية لعبت دوراً بارزاً في تسليط الضوء علي مبادئ حقوق الانسان التي تنص علي الالتزام بالشرعية واحترام الدستور واحترام العقل والايمان بالحوار وحق الآخرين في الرأي الآخر وتساوي الاردنيين بالحقوق والواجبات ورفع المستوي الثقافي للمواطنين وحق المواطنين في التعبير وتأكيد حق المثقفين والمفكرين والاديان في الانفتاح علي الثقافات الاخري.
ان دور الصحافة في القيام بحملات تثقيفية واعلامية بين المواطنين تنطلق من السمة الحضارية للاردن، لكي يتم تنفيذ ذلك في اطار الثقافة والتقاليد الاردنية، وذلك لكي تتواكب مع التطورات والمتغيرات التي يعرفها القانون.. وتنطلق هذه الاهداف التثقيفية في اطار توعية حقيقية بأهمية المحافظة علي حقوق الانسان، وابراز دور المفكرين والمثقفين في تطوير هذه العلاقات والعمل علي تحديث التشريعات والاستمرار في تشجيع مراكز دراسات حقوق الانسان والحرية والديمقراطية، والاسهام في رفع مستوي الممارسة الديمقراطية وتأهيل مبادئ حقوق الانسان في الاردن باستلهام رسالة الاسلام السمحة وتنظيم الحلقات الدراسية والندوات والسعي لتدريس مبادئ حقوق الانسان في مستويات مختلفة.