بسم الله الرحمن الرحيم
الأمن الغذائي :-
ظلت مشكلة الغذاء ولعقود عديدة إحدى المشكلات التي تحتل الصدارة على المستوى العالمي فحظيت التنمية الزراعية باهتمام كبير حتى يتم التغلب على الاحتياجات الغذائية المتزايدة والضخمة. والدول التي كانت مرشحة لمجاعات وكوارث بسبب حجم السكان كالهند والصين مثلا صححت مفاهيم الأمن الغذائي واتجهت إلى زيادة إنتاج الغذاء ونجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي وانتقلت من الاستيراد إلى التصدير.
أما العالم العربي فسار في الاتجاه المعاكس، فالإنتاج الزراعي العربي ظل في تراجع سواء تعلق الأمر بالموارد البشرية أو الأراضي والمياه أو الإنتاج الغذائي.
وأسباب فشل السياسات الزراعية العربية متعددة وتقدر قيمة الناتج الزراعي حسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر في سبتمبر/ أيلول 2001 بحوالي 80.3 مليار دولار أميركي، أي بانخفاض قدره 0.1% مقارنة مع سنة 1999، وبلغت الفجوة الغذائية 12 مليار دولار حسب نفس التقرير.
وقد حذرت منظمات مهتمة بالأمن الغذائي ومسئولون وخبراء اقتصاديون عرب مؤخرا من أن انعدام الأمن الغذائي سيبقي إدارة الوطن العربي مرتهنة بأيدي قوى خارجية، وحثوا على العمل الجاد من أجل تقليص الفجوة الغذائية التي من المتوقع أن تصل إلى 13 مليار دولار في نهاية عام 2002، مما يعكس زيادة مطردة في اتساع الفجوة الغذائية العربية.
كل هذه الأوضاع المتعلقة بالعجز الغذائي في العالم العربي ستزيدها تعقيدا تغيرات دولية وتحولات اقتصادية كبرى فلم تعد الموارد الطبيعية الزراعية المطلوبة لمزيد من الاستثمارات متاحة، ولم تعد التكنولوجيا الحيوية الحديثة التي تنبني عليها الآمال في مستقبل التنمية الزراعية أيضا متاحة، إذ أصبحت تنتجها شركات عابرة للقارات وقطاع خاص. هذا رغم قيام العديد من الحكومات العربية بتشخيص لأزمة الأمن الغذائي والقيام بجهود تستحق الثناء لإصلاح هذا الوضع وإعادة تكييف السياسات الوطنية ضمن خطة استراتيجية ومبادرة تنموية زراعية جديدة كان من أبرزها محاولة العراق التي يمكن تسميتها سياسة التغلب على أزمة العراق الزراعية والحال أنه يعيش تحت على أزمة العراق الزراعية والحال أنه يعيش تحت الحصار.
الإنتاج الغذائي في الوطن العربي:-
لماذا يستورد العرب أكثر مما ينتجون زراعيا؟ وإذا كانت الأراضي العربية الصالحة للزراعة متوفرة والمياه متاحة ومصادر التمويل العربية موجودة فكيف توجد أزمة في الإنتاج الغذائي؟
في ضوء هذا التساؤل يتناول هذا التقرير مسألة الإنتاج الزراعي العربي من مختلف جوانبها (المحاصيل الزراعية، الحيوان، الأسماك).
شهدت الفترة الأخيرة تطورات متباينة في إجمالي الإنتاج الزراعي في الدول العربية، وتشير الإحصائيات إلى أن قيمة هذا الإنتاج بالأسعار الجارية وصلت إلى 80.3 مليار دولار عام 2000، وبلغ متوسط معدل نمو هذا الإنتاج في عقد التسعينات حوالي 3.3% سنويا (التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2001, ص 35). وقد سجل الإنتاج الزراعي تراجعا طفيفا قدره 0.1% عام 2000 مقارنة بعام 1999، في حين زاد إنتاج المحاصيل
الزراعية بنسب متفاوتة، ماعدا إنتاج الخضراوات الذي سجل تراجعا في الفترة نفسها بلغ 5.1% (انظر الجدول رقم 3).
جدول إنتاج المحاصيل الزراعية في الوطن العربي (ألف طن)
الإنتاج
المحاصيل/السنوات 1998 1999 2000 نسبة تغير لإنتاج
بين 1999 و2000*
الحبوب 46.181 39.919 44.468 11.4
الدرنيات 7.865 7.469 8.193 9.7
البقوليات 1.513 1.169 1.279 9.4
البذور الزيتية 2.651 3.178 3.408 7.2
الخضراوات 36.388 42.451 40.282 5.1-
الفواكه 27.043 25.061 27.125 8.2
الألياف 1.923 1.798 1.999 11.2
محاصيل السكر 27.325 29.993 29.142 2.8-
المصدر: المنظمة العربية للتنمية الزراعية, 2001
* بالنسبة لعام 2000 المذكور تقديرات وليس إحصائيات.
ورغم هذا التحسن في الإنتاج الزراعي في السنوات الأخيرة فإنه لايزال دون مستوى إشباع الحاجيات العربية من الغذاء، إذ لا يغطي سوى نصف هذه الحاجيات في حين يتم النصف الآخر من الخارج. وتشكل الحبوب وخاصة القمح منها المكوّن الرئيسي للفجوة الغذائية العربية، ويرجع الاقتصاديون والمحللون هذا العجز في إنتاج الحبوب إلى العجز المائي. ويرى الخبراء أن الحجم المائي اللازم لإنتاج الحاجيات الغذائية العربية المستوردة يقدر بحوالي 50 مليار متر مكعب في السنة. ويجسد استمرار هذا العجز المائي استمرار العجز في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في الوطن العربي.
الإنتاج الحيواني:
سجل الإنتاج الحيواني عام 2000 تطورات موجبة مقارنة مع بداية التسعينات، فقد سجل إنتاج اللحوم زيادة بلغت 2.1% بين عامي 1999 و2000 وزاد إنتاج الألبان بنسبة 4.1% خلال نفس الفترة وكذلك إنتاج الأغنام والماعز والأبقار والجاموس والإبل بنسب 5.9 % و1.3 % و1.5 % على التوالي في الفترة نفسها، في حين سجل إنتاج البيض تراجعا بنسبة 6.8%.
ويحتل السودان المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث إنتاج اللحوم الحمراء بنسبة 43.4%، تليه الجزائر بنسبة 9.1% والمغرب ومصر بنسب أقل. كما يحتل السودان الصدارة في إنتاج الألبان بنسبة 34% ثم مصر بنسبة 19% ويليهما كل من الجزائر والصومال وسوريا والمغرب وتونس والعراق بنسب أقل.
وتتركز الثروة الحيوانية العربية في عدد قليل من البلدان, إذ يحظى السودان بالقسط الأوفر من الأبقار يقارب 69% من مجموعه العربي، وبنسب أقل كل من مصر والمغرب والجزائر وموريتانيا والصومال واليمن وسوريا. وتستولي مصر على نسبة 98% من الجاموس، وتتوزع الأغنام بنسب أقل حدة من حيث التباين بين الدول العربية تتراوح بين 29% في السودان وأقل من 10% في موريتانيا والسعودية. ويشير التوزيع القطري للماعز إلى أهمية السودان في إنتاج هذا النوع بنسبة 44% ثم الصومال بـ 15% ثم بنسب أقل كل من السعودية والمغرب وموريتانيا والجزائر ومصر.
ورغم الأعداد الكبيرة للثروة الحيوانية في الوطن العربي فإن مستويات إنتاجها لاتزال عاجزة عن تلبية الطلب المحلي، وذلك بسبب ضعف وتخلف أساليب الإنتاج والتربية والتصنيع.
وتتميز أساليب تربية الحيوانات بالتباين بين الأقطار العربية من حيث المستوى التقني المتبع في تربيتها، إذ تطغى الأساليب التقليدية على تربية المواشي في البلدان ذات الثروة الحيوانية المرتفعة من حيث الاعتماد في تغذية القطعان على المراعي الطبيعية التي هي عرضة للتقلب والتدهور تبعا للظروف المناخية. وفي المقابل ينهج عدد قليل من الدول العربية أساليب تربوية حديثة تعتمد على المزارع حسنة التجهيز من حيث التغذية والرعاية البيطرية، وهي في الغالب الدول العربية ذات الموارد الحيوانية المحدودة.
وفي الختام أشير إلى أنه رغم التحسن الملحوظ في بعض بنود الإنتاج الغذائي, فقد أصبح هناك شبه إجماع على أن أزمة الغذاء في الوطن العربي وصلت إلى حدود حرجة باتت تشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار المنطقة العربية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.