تلوث الماء
أول وأخطر مشكلة :
يعتبر تلوث الماء من أوائلالموضوعات التي اهتم بها العلماء والمختصون بمجال التلوث ، وليس من الغريب إذن ( أنيكون حجم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أكبر من حجم تلك التي تناولت باقي فروعالتلوث .
ولعل السر في ذلك مرده إلى سببين :
الأول
أهميةالماء وضروريته ، فهو يدخل في كل العمليات البيولوجية والصناعية ، ولا يمكن لأيكائن حي –مهما كان شكله أو نوعه أو حجمه – أن يعيش بدونه ، فالكائنات الحية تحتاجإليه لكي تعيش ، والنباتات هي الأخرى تحتاج إليه لكي تنمو ، ( وقد أثبت علم الخليةأن الماء هو المكون الهام في تركيب مادة الخلية ، وهو وحدة البناء في كل كائن حينباتً كان أم حيواناً ، وأثبت علم الكيمياء الحيوية أن الماء لازم لحدوث جميعالتفاعلات والتحولات التي تتم داخل أجسام الأحياء فهو إما وسط أو عامل مساعد أوداخل في التفاعل أو ناتج عنه ، وأثبت علم وظائف الأعضاء أن الماء ضروري لقيام كلعضو بوظائفه التي بدونها لا تتوفر له مظاهر الحياة ومقوماتها ) .
إن ذلككله يتساوى مع الاية الكريمة التي تعلن بصراحة عن إبداع الخالق جل وعلا في جعلالماء ضرورياً لكل كائن حي ، قال تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون )الأنبياء /30 .
الثاني
أن الماء يشغل أكبر حيز في الغلاف الحيوي ،وهو أكثر مادة منفردة موجودة به ، إذ تبلغ مسحة المسطح المائي حوالي 70.8% من مساحةالكرة الارضية ، مما دفع بعض العلماء إلى أن يطلقوا اسم ( الكرة المائية ) علىالارض بدلا من من الكرة الأرضية . كما أن الماء يكون حوالي( 60-70% من أجسامالأحياء الراقية بما فيها الانسان ، كما يكون حوالي 90% من أجسام الاحياء الدنيا )وبالتالي فإن تلوث الماء يؤدي إلى حدوث أضرار بالغة ذو أخطار جسيمة بالكائنات الحيةويخل بالتوازن البيئي الذي لن يكون له معنى ولن تكون له قيمة إذا ما فسدت خواصالمكون الرئيسي له وهو الماء .
مصادر تلوث الماء:-
يتلوث الماءبكل مايفسد خواصه أو يغير من طبيعته ، والمقصود بتلوث الماء هو تدنس مجاري الماءوالأبار والانهار والبحار والامطار والمياه الجوفية مما يجعل ماءها غير صالحللإنسان أو الحيوان أو النباتات أو الكائنات التي تعيش في البحار والمحيطات ،ويتلوث الماء عن طريق المخلفات الإنسانية والنباتية والحيوانية والصناعية التي تلقيفيه أو تصب في فروعه ، كما تتلوث المياه الجوفية نتيجة لتسرب مياه المجاري إليهابما فيها من بكتريا وصبغات كيميائية ملوثة ، ومن أهم ملوثات الماء ما يلي :
مياه المطر الملوثه
تتلوث مياه الأمطار – خاصة فيالمناطق الصناعية لأنها تجمع أثناء سقوطها من السماء كل الملوثات الموجودة بالهواءوالتي من أشهرها أكاسيد النتروجين وأكاسيد الكبريت وذرات التراب ، ومن الجديربالذكر أن تلوث مياه الامطار ظاهرة جديدة استحدثت مع انتشار التصنيع ، وإلقاء كمياتكبيرة من المخلفات والغازات والاتربة في الهواء أو الماء ، وفي الماضي لم تعرفالبشرية هذا النوع من التلوث ، وأنى لها هذا ؟
ولقد كان من فضل الله علىعباده ورحمه ولطفه بهم أن يكون ماء المطر الذي يتساقط من السماء ، ينزل خالياً منالشوائب ، وأن يكون في غاية النقاء والصفاء والطهارة عند بدء تكوينه ، ويظل الماءطاهراً إلى أن يصل إلى سطح الارض ، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز مؤكداً ذلكقبل أن يتأكد منه العلم الحديث : ( وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمتهوأنزلنا من السماء ماء طهورا ) الفرقان 48.
وقال أيضا : ( إذ يغشيكم النعاسأمنة منه وينزل عليكم السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان وليربط علىقلوبكم ويثبت به الاقدام ) الانفال 11
وإذا كان ماء المطر نقيا عند بدءتكوينه فإن دوام الحال من المحال ، هكذا قال الإنسان وهكذا هو يصنع ، لقد امتلئالهواء بالكثير من الملوثات الصلبة والغازية التي نفثتها مداخن المصانع ومحركاتالآلات والسيارات ، وهذه الملوثات تذوب مع مياه الأمطار وتتساقط مع الثلوج فتمتصهاالتربة لتضيف بذلك كماً جديداً من الملوثات إلى ذلك الموجود بالتربة ، ويمتص النباتهذه السموم في جميع أجزائه ، فإذا تناول الإنسان أو الحيوان هذه النباتات ادى ذلكالى التسمم ( ليذيقهم بعض الذي علموا لعلهم يرجعون ) الروم 41
كما أن سقوطماء المطر الملوث فوق المسطحات المائية كالمحيطات والبحار والانهار والبحيرات يؤديإلى تلوث هذه المسطحات وإلى تسمم الكائنات البحرية والأسماك الموجودة بها ، وينتقلالسم إلى الانسان إذا تناول هذه الأسماك الملوثة ، كما تموت الطيور البحرية التيتعتمد في غذائها على الاسماك .
إنه انتحار شامل وبطيء يصنعه البعض من بنيالبشر ، والباقي في غفلة عما يحدث حوله ، حتى إذا وصل إليه تيار التلوث أفاق وانتبهن ولكن بعد أن يكون قد فاته الأوان .
مياه المجاري
وهي تتلوث بالصابون والمنظفات الصناعية وبعض أنواع البكتريا والميكروباتالضارة ، وعندما تنتقل مياه المجاري إلى الأنهار والبحيرات فإنها تؤدي إلى تلوثا هيالأخرى .
المخلفات الصناعية
وهي تشمل مخلفات المصانعالغذائية والكيمائية والألياف الصناعية والتي تؤدي إلى تلوث الماء بالدهونوالبكتريا والدماء والاحماض والقلويات والأصباغ والنفط ومركبات البترول والكيماوياتوالأملاح السامة كأملاح الزئبق والزرنيخ ، وأملاح المعادن الثقيلة كالرصاصوالكادميوم .
المفاعلات النووية
وهي تسبب تلوثًحرارياً للماء مما يؤثر تأثيراً ضاراً على البيئة وعلى حياتها ، مع احتمال حدوثتلوث إشعاعي لأجيال لاحقة من الإنسان وبقية حياتها مع احتمال حدوث تلوث إشعاعيلأجيال لاحقة من الإنسان وبقية الكائنات .
المبيدات الحشرية
والتي ترش على المحاصيل الزراعية أو التي تستخدم في إزالة الأعشاب الضارة ،فينساب بعضها مع مياه الصرف المصارف ، كذلك تتلوث مياه الترع والقنوات التي تغسلفيها معدات الرش وآلاته ، ويؤدي ذلك إلى قتل الأسماك والكائنات البحرية كما يؤديإلى نفوق الماشية والحيوانات التي تشرب من مياه الترع والقنوات الملوثة بهذهالمبيدات ، ولعل المأساة التي حدثت في العراق عامي 1971 –1972م أو ضح دليل على ذلكحين تم استخدام نوع من المبيدات الحشرية المحتوية على الزئبق مما أدي إلى دخولحوالي 6000شخص إلى المستشفيات ، ومات منهم 500.
التلوث الناتج عنتسرب البترول إلى البحار المحيطات
وهو إما نتيجة لحوادث غرق الناقلاتالتي تتكرر سنوياً ، وإما نتيجة لقيام هذه الناقلات بعمليات التنظيف وغسل خزاناتهاوإلقاء مياه الغسل الملوثة في عرض البحر .
ومن أسباب تلوث مياه البحارأيضاً بزيت البترول تدفقه أثناء عمليات البحث والتنقيب عنه ، كما حدث في شواطئكاليفورنيااا بالولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الستينيات ، وتكون نتيجة لذلكبقعة زيت كبيرة الحجم قدر طولها بثمانمائة ميل على مياه المحيط الهادي ، وأدى ذلكإلى موت أعداد لا تحصى من طيور البحر ومن الدرافيل والأسماك والكائنات البحريةنتيجة للتلوث .
تلوث الأرض
يتلوث سطح الأرض نتيجةالتراكم المواد والمخلفات الصلبة التي تنتج من المصانع والمزارع والنوادي والمنازلوالمطاع والشوارع ، كما يتلوث أيضاً من مخلفات المزارع كأعواد المحاصيل الجافةورماد احتراقها .
المبيدات الحشرية :
والتي من أشهرهامادة د .د.ت ، وبالرغم من أن هذه المبيدات تفيد في مكافحة الحشرات الضارة ، إلاأنها ذات تأثير قاتل على البكتريا الموجودة في التربة ، والتي تقوم بتحليل الموادالعضوية إلى مركبات كيميائية بسيطة يمتصها النبات ، وبالتالي تقل خصوبة التربة علىمر الزمن مع استمرار استخدام هذه المبيدات ، وهذه طامه كبرى ، وخاصة إذا أضفناا إلىذلك المناعة التي تكتسبها الحشرات نتيجة لاستخدام هذه المبيدات والتي تؤدي إلىتواجد حشرات قوية لا تبقى ولا تذر أي نبات أخضر إذا هاجمته أو داهمته .
إنمادة الـ د .د.ت تتسرب إلى جسم الانسان خلال الغذاء الذي يأتيه من النباتاتوالخضروات ويتركز هذا المبيد في الطبقات الدهنية بجسم الانسان الذي إذا حاول أنيتخلص منها أدت إلى التسمم بهذا المبيد ، وتتركز خطورة مادة الـ د .د.ت في بقائهابالتربة الزراعية لفترة طويلة من الزمندون أن تتحلل ، ولهذا ازدادت الصيحاتوالنداءات في الآونة الأخيرة بضرورة عدم استعمال هذه المادة كمبيد .
إنهلمن المؤسف أن الاتجاهات الحديثة في مكافحة الحشرات تلجأ إلى استخدام الموادالكيميائية ، ويزيد الطين بلة استخدام الطائرات في رش الغابات والنباتات والمحاصيلالزراعية . إن ذلك لا يؤدي إلى تساقط الأوراق والأزهار والأعشاب فحسب ، بل يؤدي إلىتلوث الحبوب والثمار والخضروات والتربة ،
وذلك قد يؤدي إلى نوعين من التلوث :
الأولتلوث مباشر وينتج عن الاستعمال الآدمي المباشر للحبوبوالثمار الملوثة .
الثانيتلوث غير مباشر وهذا له صور شتى وطرقمتعددة .
فهو إما أن يصاب الإنسان من جراء تناوله للحوم الطيور التي تحصلعلى غذائها من التقاطها للحشرات الملوثة حيث تنتقل هذه المبيدات إلى الطيور وتتراكمداخلها ويزداد تركيزها مع ازدياد تناول هذه الطيور للحشرات فإذا تناولها الإنسانكانت سماً بطيئاً ، يؤدي إلى الموت كلما تراكم وازدادت كميته وساء نوعه .
وهو إما أن يصاب به نتيجة لتناوله للحوم الحيوانات التي تتغذى علىالنباتات الملوثة .
كما يمكن أن يصاب به نتيجة لسقوط هذه المبيدات فيالتربة وامتصاص النبات لها ، ودخولها في بناء خلايا النبات نفسه .
ومن أشهرالمبيدات الحشرية التي تضر بصحة الإنسان تلك المحتوية على مركبات الزئبق ولقد سميالمرض الناتج عن التسمم بالزئبق بمرض (الميناماتا) وذلك نسبة إلى منطقة خليج (ميناماتا ) باليابان والتي ظهر فيها هذا المرض لأول مرة عام 1953م ، وذلك كنتيجةلتلوث المياه المستخدمة في ري الأراضي الزراعية بمخلفات تحتوي على مركبات الزئبقالسامة الناتجة من أحد المصانع وحتى ولو كان بكميات صغيرة على جسم الإنسان حيثترتخي العضلات وتتلف خلايا المخ وأعضاء الجسم الأخرى ، وتفقد العين بصرها ، وقدتؤدي إلى الموت كما تؤثر على الجنين في بطن أمه . فهل بعد هذا فساد ؟ إنه لمنالمزعج أن دعاة التقدم والتطور يعتقدون أن استخدم المبيدات الكيمائية والحشريةتساعد على حماية النباتات من خطر الحشرات والفطريات التي تهاجمها . وأنها بذلكيزيدون الإنتاج ويصلحون في الأرض .
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرضقالوا إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) .
الأسمدة الكيماوية :
من المعروف أن الأسمدة المستخدمة فيالزراعة تنقسم إلى نوعين :
الأسمدة العضوية :
وهي تلكالناتجة من مخلفات الحيوانات والطيور والإنسان ، ومما هو معروف علمياً أن هذهالأسمدة تزيد من قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء .
الأسمدة غير العضوية
وهي التي يصنعها الإنسان من مركبات كيميائية فإنها تؤدي إلى تلوثالتربة بالرغم من أن الغرض منها هو زيادة إنتاج الأراضي الزراعية ، ولقد وجدالمهتمون بالزراعة في بريطانيا أن زيادة محصول الفدان الواحد في السنوات الأخيرة لاتزيد على الرغم من الزيادة الكبيرة في استعمال الأسمدة الكيميائية يؤدي إلى تغطيةالتربة بطبقة لا مسامية أثناء سقوط الأمطار الغزيرة ، بينما تقل احتمالات تكون هذهالطبقة في حالة الأسمدة العضوية ونقول : في الوقت الذي فقد فيه المجاعاتوالأوبئة كثيراً من قسوتها وضراوتها في إرعاب البشرية نجد أن تلوث البيئة قد حل محلهذه الأوبئة ، وخطورة التلوث هو أنه من صنع الإنسان وأن آثاره السيئة تعود عليهوعلى زراعته وصناعته ، بحيث تؤدي في النهاية إلى قتل النفس التي حرم الله قتلها إلابالحق ، وإلى تغيير شكل الحياة على الأرض ، ومن الواجب علينا كمسلمين أن نحول منعذلك بشتى الطرق الممكنة عملاً بقوله تعالى : ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فيالأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) المائدة 22 .
•بعض أساليب مكافحة تلوث الماء :
التحول من استعمال الفحمإلى استعمال النفط .
لأن احتراق الفحم يسبب تلوثا يفوق ما ينجم عن احتراقالنفط إلا أن اتخاذ مثل هذا الإجراء يهدد بإغلاق بعض الناجم وما يترتب علية منارتفاع نسبة الأيدي العاطلة ومن ناحية أخرى فإنه يهدف إلى حماية البيئة من التلوثإلى حد كبير .
معالجة مياه المجاري بالمدن والقرى ومياه الصرف الصحي .
حيث إنه من الضروري معالجة مياه المجاري بالمدن وكذلك مياه الصرف الصحيقبل وصولها إلى المسطحات المائية وقد اتخذت خطوات متقدمة في هذا المجال في كثير منالدول المعنية ،إذ اتجه الاهتمام نحو معالجة مياه المصارف وإعادة استخدامها في ريالأراضي الزراعية وكذلك معالجة مياه المجاري بالمدن الكبرى واستخدامها في مشروعاتالري .
التخلص من النفط العائم :
يجب التخلص من النفطالعائم بعد حوادث الناقلات بالحرق أو الشفط وتخزينه في السفن أعدت لهذا الغرض معالحد من استخدام المواد الكيماوية تجنبا لإصابة الأحياء المائية والنباتية .
الحد من التلوث مياه الصابورة :
ويمكن الحد من مياهالصابوره باتباع إحدى الطريقتين :
قبل شحن الخزانات بمياه الصابوره تغسلجيدا ويخزن الماء الملوث في خزان خاص ليفصل الماء عن النفط ببطء وقرب مواني الشحنيفرغ الماء المنفصل في البحر ويعبأ النفط الجديد فوق ترسبات السابقة .
بناء أحواض في موانئ التصدير تفرغ فيها مياه الصابوره حتى يتم تصفيتها تخليصا للنفط
محاولة دفن النفايات المشعة في بعض أراضي الصحاري :
إذا تحاولبعض الدول الصناعية دفن النفايات المشعة في بعض الصحاري ومثل هذه المحاولات إذا تمتفإنها تهدد خزانات المياه الجوفية بالتلوث وإلى تعريض السكان لمخاطر الإشعاع النووي
إدخال الأجهزة المضادة للتلوث في المصانع الجديدة :
وفي الدولالمتقدمة تفرض الدول على أصحاب السيارات تركيب أجهزة تخفيف التلوث وتنتج مصانعحاليا سيارات ركبت بها مثل هذه الأجهزة :
وذلك بالنسبة للتلوث النوويالناجم عن خلل مفاجئ في المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية ففي بعض الدولطالبت الهيئات المسؤولة عن سلامة البيئة والشركات صاحبة المفاعلات بوضع خطة لإجلاءالسكان في دائرة قطرها 10 أميال عند الضرورة وتنفيذ مثل هذا الإجراء يبدو صعبالارتفاع التكاليف ،وتكتفي الدول بفرض غرامة كبيرة على الشركات المسؤولة في حالةعجزها عن تنفيذ الإجراء المطلوب .